هل عقولنا عورة كما هي أجسادنا؟ أم ترى الأفكار هي العورات، الأفكار هي منابع الشهوة واللذة المحرمة لذا يجب تغطيتها وحجبها؟ ترى ممن يأتي الخطر، ومن منهما سيصلينا النار.. عقولنا التي تفكر، أم الأفكار التي تغزو عقولنا؟
فيم يحاول الحرس الجديد التحكم تحديداً، هل يريدون حجب العقل أم تحجيم الفكرة؟
قبل سنوات، وفي الفصل الدراسي الجامعي، كنت أناقش وطلبتي مسرحية «دكتور فاوستس» للمسرحي العظيم كريستوفر مارلو، تحكي المسرحية قصة هذا الفيلسوف المطلع على شؤون الدنيا وأسرارها، دكتور فاوستس، وكيف أنه ملّ الحياة لعدم وجود أي جديد يتعلمه فيها، فقرر أن يبيع روحه للشيطان من أجل ما خفي عليه من علم، ومن أجل قوة تفوق كل قوى البشر. سألت طلبتي، ما هي مادة المقايضة من وجهة نظركم؟ ماذا باع الدكتور فاوستس تحديداً للشيطان، فكره، وجوده، أم شيئا آخر؟
عند نهاية المحاضرة، رافقتني إحدى الطالبات للخارج محتجة تماماً على النقاش، لأن الروح من أسرار الخالق، وليس لنا أن نناقشها. نوهت للصغيرة بأننا نناقش من منطلق فلسفي أدبي للوصول لمقصد الكاتب، وليس المنحى هنا ثيولوجي مطلقاً، إلا أنها أصرت على حرمة الحديث وخطيئته. أخبرتها أنها معفية من النقاش، وأنا أتنغص حزناً على هذه الصغيرة التي لم تكمل سنواتها العشرين بعد، ولكنها حجبت عقلها، وأغلقت منافذ روحها عن كل جديد. حزمت أمرها وهي في الثامنة عشرة، وأعلنت توفر كل الحقائق لديها، فما عاد هناك جديد لتفكر فيه.
ستُحرم هذه الشابة من أي غموض، لن تسبح روحها في الفضاء اللامتناهي، لن تتفكر في أسراره، ولن تتساءل حول قدراته، فتلك المعلومات، إما محسومة أو محرمة، ويا لهول المصيبة في هذا العمر الصغير، يا لضياع العمر والعقل، يا لخسارة التنازل عن كل هذا الغموض من حولنا، كل هذه الخبايا التي تنتظر اكتشافها، الأسرار التي تنتظر تبيانها، كل هذه التساؤلات التي تنتظر الإجابة عنها بتساؤلات أخرى متتابعة مستمرة تحيي الروح وتسمو بها وتوحدها بالعالم اللامتناهي من حولها، كل هذه الروعة والجمال والغموض، كل هذه الطاقات الإنسانية الخلابة، كلها يتم تسليمها على بوابة المسلمات، يحرسها الحرام من جهة والخطيئة من جهة أخرى.
وتبقى تلك العقول الغضة الطازجة بتساؤلاتها وطاقاتها الكامنة عورة يجب حجبها وتلحيفها سواداً قاتماً حتى لا تثير غرائز الآخرين، أم هي الأفكار والتساؤلات التي تحتاج حجباً وتغطية لأنها هي مصدر الإثارة والمتعة والثورة على الموروث؟ في كلتا الحالتين، الضحية هي الروح، الذات، الهوية، حيث يصبح البشر أغلفة جلدية، محشية بأفكار مسطحة ومشاعر محسوبة، مجرد أدوات تنفيذية لأفكار ومسلمات لا يحق لهم مراجعتها. إن لم يقتلنا فضولنا وتوق أنفسنا المتطلعة والمتسائلة، فبلا أدنى شك سيقتلنا الملل من هكذا حياة باهتة قميئة.
تلك دعوة لمساءلة الفكر الموروث ومراجعته، والثورة عليه، إن استدعت الحاجة وحتم المنطق، وذلك لتطويره وتجديده، ومعه تطوير وتجديد وإعادة احياء أنفسنا من جديد. عقولنا ليست عورة وأفكارنا ليست عورة، وتساؤلاتنا ليست ذئبا يتربص بعقولنا ليغتصبها ويدنس شرفها، عقولنا زهو إنسانيتنا، وتساؤلاتنا إحياء وتكريم وتشريف لتلك العقول.
أما الحجب والمنع، فهما عملية قتل مقننة لكليهما، الروح والعقل. فرحمة بالغض الصغير منهم، هم لا يفقهون لعبتكم ولا يعرفون كيف يدافعون.. عن حياتهم.
فيم يحاول الحرس الجديد التحكم تحديداً، هل يريدون حجب العقل أم تحجيم الفكرة؟
قبل سنوات، وفي الفصل الدراسي الجامعي، كنت أناقش وطلبتي مسرحية «دكتور فاوستس» للمسرحي العظيم كريستوفر مارلو، تحكي المسرحية قصة هذا الفيلسوف المطلع على شؤون الدنيا وأسرارها، دكتور فاوستس، وكيف أنه ملّ الحياة لعدم وجود أي جديد يتعلمه فيها، فقرر أن يبيع روحه للشيطان من أجل ما خفي عليه من علم، ومن أجل قوة تفوق كل قوى البشر. سألت طلبتي، ما هي مادة المقايضة من وجهة نظركم؟ ماذا باع الدكتور فاوستس تحديداً للشيطان، فكره، وجوده، أم شيئا آخر؟
عند نهاية المحاضرة، رافقتني إحدى الطالبات للخارج محتجة تماماً على النقاش، لأن الروح من أسرار الخالق، وليس لنا أن نناقشها. نوهت للصغيرة بأننا نناقش من منطلق فلسفي أدبي للوصول لمقصد الكاتب، وليس المنحى هنا ثيولوجي مطلقاً، إلا أنها أصرت على حرمة الحديث وخطيئته. أخبرتها أنها معفية من النقاش، وأنا أتنغص حزناً على هذه الصغيرة التي لم تكمل سنواتها العشرين بعد، ولكنها حجبت عقلها، وأغلقت منافذ روحها عن كل جديد. حزمت أمرها وهي في الثامنة عشرة، وأعلنت توفر كل الحقائق لديها، فما عاد هناك جديد لتفكر فيه.
ستُحرم هذه الشابة من أي غموض، لن تسبح روحها في الفضاء اللامتناهي، لن تتفكر في أسراره، ولن تتساءل حول قدراته، فتلك المعلومات، إما محسومة أو محرمة، ويا لهول المصيبة في هذا العمر الصغير، يا لضياع العمر والعقل، يا لخسارة التنازل عن كل هذا الغموض من حولنا، كل هذه الخبايا التي تنتظر اكتشافها، الأسرار التي تنتظر تبيانها، كل هذه التساؤلات التي تنتظر الإجابة عنها بتساؤلات أخرى متتابعة مستمرة تحيي الروح وتسمو بها وتوحدها بالعالم اللامتناهي من حولها، كل هذه الروعة والجمال والغموض، كل هذه الطاقات الإنسانية الخلابة، كلها يتم تسليمها على بوابة المسلمات، يحرسها الحرام من جهة والخطيئة من جهة أخرى.
وتبقى تلك العقول الغضة الطازجة بتساؤلاتها وطاقاتها الكامنة عورة يجب حجبها وتلحيفها سواداً قاتماً حتى لا تثير غرائز الآخرين، أم هي الأفكار والتساؤلات التي تحتاج حجباً وتغطية لأنها هي مصدر الإثارة والمتعة والثورة على الموروث؟ في كلتا الحالتين، الضحية هي الروح، الذات، الهوية، حيث يصبح البشر أغلفة جلدية، محشية بأفكار مسطحة ومشاعر محسوبة، مجرد أدوات تنفيذية لأفكار ومسلمات لا يحق لهم مراجعتها. إن لم يقتلنا فضولنا وتوق أنفسنا المتطلعة والمتسائلة، فبلا أدنى شك سيقتلنا الملل من هكذا حياة باهتة قميئة.
تلك دعوة لمساءلة الفكر الموروث ومراجعته، والثورة عليه، إن استدعت الحاجة وحتم المنطق، وذلك لتطويره وتجديده، ومعه تطوير وتجديد وإعادة احياء أنفسنا من جديد. عقولنا ليست عورة وأفكارنا ليست عورة، وتساؤلاتنا ليست ذئبا يتربص بعقولنا ليغتصبها ويدنس شرفها، عقولنا زهو إنسانيتنا، وتساؤلاتنا إحياء وتكريم وتشريف لتلك العقول.
أما الحجب والمنع، فهما عملية قتل مقننة لكليهما، الروح والعقل. فرحمة بالغض الصغير منهم، هم لا يفقهون لعبتكم ولا يعرفون كيف يدافعون.. عن حياتهم.
yzach allah khair ya doctora ebtehal
ردحذف