ما إن ختمت وفاء الكيلاني مقابلتها معي في برنامج «بدون رقابة»، الذي بثته قناة LBC يوم الأربعاء الماضي، حتى خابرتني آخر من توقعت أن تخابرني.. رقيقة وحانية ومستاءة وخائفة.. وبّختني بإصرار وحنان وخوف، ما أزاغ قلبي على قلبها، وأضاعني في لجة من تعذيب الضمير تجاه خاصتي الذين أحبهم ويحبونني. أحملهم أنا أكثر مما يحتملون بأنانية قد يسميها البعض شجاعة، وإصرار يسميه آخرون عناداً ومكابرة. ولكنني لست شجاعة ولا مكابرة، أنا أفكر... فقط، ثم أعبّر، ثم أحزن على إيذاء أحبتي، ثم لا ألبث أن أفكر مرة أخرى، فإذا الأفكار كلمات، وإذا الكلمات غيمات تمطرني حزناً على إيذاء من أحب.
وعلى الرغم من أنني أكتب مقالي هذا، وأنا تحت مطر وجعي، بداعي ما تسببته للحبيبة المتصلة من ألم وخوف، إلا أنني لم أستطع أن أقاوم تحليلي لحديثها الحاني المتألم، والذي انصب في خانتين: الأولى أنني تعديت حدود حرية الرأي، لأن ما عددته حرية يخالف الشريعة (حسب قولها) ويصطدم بالعادات و«يداحر» رضا الناس، والثانية أنني أعرّض نفسي لخطر جسدي له انعكاس على عائلتي الكبيرة والصغيرة بأنانية لا أفقه مدى خطورة أثرها... أنظر في منطقها الأول وأفكر، ما هي حرية الرأي، وعلامَ تنطبق، وما هي حدودها؟
في اعتقادي، حرية الرأي تتمثل في ممارسة حرية التعبير اللفظي والمعيشي، وحدودها تتسيج بقانون البلد المدني، ولا شيء غيره. أما موضوعها، فهذا مربط الفرس. يبدو لي أن الرأي السائد، هو أن حرية الرأي محمودة ومقبولة طالما أن الرأي المطروح يتفق مع الرأي السائد ومع الدين ومع العادات والتقاليد. وهذا منطق يسجن الرأي ولا يحرره. احترام حرية الآخرين يتجلى في إفساح المجال تحديداً لآرائهم المخالفة لآرائنا، في احترام معتقداتهم المختلفة وحقهم في ممارستها والتعبير عنها. وكلما تباعدت المسافة بين آرائنا وآراء «الآخرين»، تعاظمت الحاجة لمبدأ حرية الرأي والتعبير، الذي يصبح تطبيقه، على تكلفته النفسية، أعظم دلالة على رقي ورفعة أخلاقيات الأمة.
إذن حرية الرأي تتجلى تحديداً في توفير فسحة في القلب، وفي العقل، وعلى أرض الواقع في الحياة للآراء المخالفة لآرائنا، وليس للآراء المنطبقة مع آرائنا. السؤال الذي يكرره عليّ الكثيرون معتقدين أنهم يصطادون منطقي من «مياهه العكرة»، فيصفقونني بتهكم: أنت مع حرية الرأي، ترضين أن يكون لابنتك علاقات خاصة من دون زواج، مثلما يحدث في الغرب؟ والسؤال ينطوي على وجهتين، أولاهما أن الأخلاق تنحصر في الشرق، وفي الدين الإسلامي فقط، من دون وعي أن الأخلاق هي ركيزة أساسية في كل الأديان، وأنها، وهذا هو الأهم، سابقة للأديان، حيث أتت الأديان لاحقاً لتؤكدها وتثبتها وتشجع الناس على التمسك بها.
وثانيتهما، إن قبولي بحرية الآخرين يعني أن أتبنى تصرفاتهم وأمارسها وأدافع عن منطقها. وهنا تتجلى السذاجة والجهل المطبق بمبدأ حرية الرأي. فأنا قد لا أحبذ تصرفا ما، لا أؤمن به، بل وقد أستهجنه. وهنا يأتي مبدأ احترام حرية الرأي، واعتقادات الآخرين، ليحمي هذا الرأي من تعسفي واستبدادي. هنا، يقول لي منطق احترام الرأي الآخر، أن أفسح المجال وأتقبل الاختلاف دون ضرورة تبنيه، أو ممارسته بنفسي.
إذن، أنا لا أقبل بعلاقات غير مشروعة لابني أو لابنتي، على حد سواء، لأسباب نفسية وأخلاقية وصحية متعددة. ولكن هذا لا يعني أنني يجب أن أفرض هذا الكود الأخلاقي على كل من حولي، بل تتجلى فكرة احترام الرأي الآخر في تحملي لهذه الممارسة المختلفة والمخالفة لمعتقدي، مهما ثقلت واشتد أثرها على نفسي.
أما أن أحصر ممارستي لحرية الرأي في الآراء التي تتوافق ومبادئي، أو معتقداتي، فذاك استبداد مطلق. ومن هنا أنطلق للخانة الثانية من حديث متصلتي الحاني، ألا وهي الخوف اليومي الذي يعيشه أفراد «الأمة الاسلامية» من إطلاق آرائهم، خوف قارص وحارق على الحياة والمصالح يهددها كل من لبس جبة على رأسه، أو اعتمرها في قلبه، ثم نصّب نفسه ديّانا ومقرراً لكل ما يسوؤه، وجلاداً لكل من يعتقد أنه اعترض على أوامره ونواهيه.
كيف يمكن لأتباع أي عقيدة روحانية كانت أن يهددوا البلاد والعباد بالعنف الدموي لحماية عقيدة مسالمة مبنية على المحبة والرحمة والغفران؟ لا يعتريني خوف، ولا أشعر بتهديد، ولكن يعتريني حزن، وأشعر بتعاسة، لأن الآخرين يشعرونه لي ويخافون اقترابه مني. وعلى الرغم من أنني أعتقد أن هذا خوف مبالغ فيه، إلا أن تكوّنه في نفوسهم، هو بحد ذاته إشارة ضمنية خطيرة لنوعية الممارسة الدينية المتسيدة للساحة، والتي جعلت من الفكر الذي يفترض أن يكون مصدر رحمة ومحبة وأمان مصدر خوف وقلق وتهديد. هل لا بد أن نحيا في جهنم دنيوية حتى نصل لجنّة أخروية؟ أما من خيارات أخرى؟
وعلى الرغم من أنني أكتب مقالي هذا، وأنا تحت مطر وجعي، بداعي ما تسببته للحبيبة المتصلة من ألم وخوف، إلا أنني لم أستطع أن أقاوم تحليلي لحديثها الحاني المتألم، والذي انصب في خانتين: الأولى أنني تعديت حدود حرية الرأي، لأن ما عددته حرية يخالف الشريعة (حسب قولها) ويصطدم بالعادات و«يداحر» رضا الناس، والثانية أنني أعرّض نفسي لخطر جسدي له انعكاس على عائلتي الكبيرة والصغيرة بأنانية لا أفقه مدى خطورة أثرها... أنظر في منطقها الأول وأفكر، ما هي حرية الرأي، وعلامَ تنطبق، وما هي حدودها؟
في اعتقادي، حرية الرأي تتمثل في ممارسة حرية التعبير اللفظي والمعيشي، وحدودها تتسيج بقانون البلد المدني، ولا شيء غيره. أما موضوعها، فهذا مربط الفرس. يبدو لي أن الرأي السائد، هو أن حرية الرأي محمودة ومقبولة طالما أن الرأي المطروح يتفق مع الرأي السائد ومع الدين ومع العادات والتقاليد. وهذا منطق يسجن الرأي ولا يحرره. احترام حرية الآخرين يتجلى في إفساح المجال تحديداً لآرائهم المخالفة لآرائنا، في احترام معتقداتهم المختلفة وحقهم في ممارستها والتعبير عنها. وكلما تباعدت المسافة بين آرائنا وآراء «الآخرين»، تعاظمت الحاجة لمبدأ حرية الرأي والتعبير، الذي يصبح تطبيقه، على تكلفته النفسية، أعظم دلالة على رقي ورفعة أخلاقيات الأمة.
إذن حرية الرأي تتجلى تحديداً في توفير فسحة في القلب، وفي العقل، وعلى أرض الواقع في الحياة للآراء المخالفة لآرائنا، وليس للآراء المنطبقة مع آرائنا. السؤال الذي يكرره عليّ الكثيرون معتقدين أنهم يصطادون منطقي من «مياهه العكرة»، فيصفقونني بتهكم: أنت مع حرية الرأي، ترضين أن يكون لابنتك علاقات خاصة من دون زواج، مثلما يحدث في الغرب؟ والسؤال ينطوي على وجهتين، أولاهما أن الأخلاق تنحصر في الشرق، وفي الدين الإسلامي فقط، من دون وعي أن الأخلاق هي ركيزة أساسية في كل الأديان، وأنها، وهذا هو الأهم، سابقة للأديان، حيث أتت الأديان لاحقاً لتؤكدها وتثبتها وتشجع الناس على التمسك بها.
وثانيتهما، إن قبولي بحرية الآخرين يعني أن أتبنى تصرفاتهم وأمارسها وأدافع عن منطقها. وهنا تتجلى السذاجة والجهل المطبق بمبدأ حرية الرأي. فأنا قد لا أحبذ تصرفا ما، لا أؤمن به، بل وقد أستهجنه. وهنا يأتي مبدأ احترام حرية الرأي، واعتقادات الآخرين، ليحمي هذا الرأي من تعسفي واستبدادي. هنا، يقول لي منطق احترام الرأي الآخر، أن أفسح المجال وأتقبل الاختلاف دون ضرورة تبنيه، أو ممارسته بنفسي.
إذن، أنا لا أقبل بعلاقات غير مشروعة لابني أو لابنتي، على حد سواء، لأسباب نفسية وأخلاقية وصحية متعددة. ولكن هذا لا يعني أنني يجب أن أفرض هذا الكود الأخلاقي على كل من حولي، بل تتجلى فكرة احترام الرأي الآخر في تحملي لهذه الممارسة المختلفة والمخالفة لمعتقدي، مهما ثقلت واشتد أثرها على نفسي.
أما أن أحصر ممارستي لحرية الرأي في الآراء التي تتوافق ومبادئي، أو معتقداتي، فذاك استبداد مطلق. ومن هنا أنطلق للخانة الثانية من حديث متصلتي الحاني، ألا وهي الخوف اليومي الذي يعيشه أفراد «الأمة الاسلامية» من إطلاق آرائهم، خوف قارص وحارق على الحياة والمصالح يهددها كل من لبس جبة على رأسه، أو اعتمرها في قلبه، ثم نصّب نفسه ديّانا ومقرراً لكل ما يسوؤه، وجلاداً لكل من يعتقد أنه اعترض على أوامره ونواهيه.
كيف يمكن لأتباع أي عقيدة روحانية كانت أن يهددوا البلاد والعباد بالعنف الدموي لحماية عقيدة مسالمة مبنية على المحبة والرحمة والغفران؟ لا يعتريني خوف، ولا أشعر بتهديد، ولكن يعتريني حزن، وأشعر بتعاسة، لأن الآخرين يشعرونه لي ويخافون اقترابه مني. وعلى الرغم من أنني أعتقد أن هذا خوف مبالغ فيه، إلا أن تكوّنه في نفوسهم، هو بحد ذاته إشارة ضمنية خطيرة لنوعية الممارسة الدينية المتسيدة للساحة، والتي جعلت من الفكر الذي يفترض أن يكون مصدر رحمة ومحبة وأمان مصدر خوف وقلق وتهديد. هل لا بد أن نحيا في جهنم دنيوية حتى نصل لجنّة أخروية؟ أما من خيارات أخرى؟
تابعت اللقاء على اليوتيوب. الحقيقة افكارك اكثر من رائعة.
ردحذفمداخلة الكاتب حسين عبدالرحمن تبين مدا جهل المجتع العربي، وحتى الطبقة الاكثر تعلما، باهمية اللبرالية. فصل التقدم والازدهار والاستقرار عن حرية الفرد فيه الكثير من الجهل او التجاهل للتاريخ الانساني.
وفاء الكيلاني ايضا خلطت كثير من الاوراق. فهي لم تستطع ان تفهم ان الدين الاسلامي لا ينحصر في الطائفة السنية او الازهر. كما انها لم تستطع ان تفهم ان هناك انسان يدعو لحرية فكر لا يدين به. تذكرت مقولة فولتير "قد اختلف معك في الرأي، لكني قد اموت دفاعا عن حقك في ان تقوله".
ما استلفت انتباهي هو انك تناولتي الفكر السياسي المبني على القومية بشئ من القبول، رغم انه لا يختلف كثيرا عن الفكر الديني السياسي بل قد يكون اسوء منه. فالانسان ممكن ان يغير دينه لتجنب الاظهاد، لكنه لا يستطيع ان يغير قوميته.
لا يمكن الجدال باوامر الله سبحانه ورسوله او وضعها على طاولة المناقشة وعلينا ان نقول كما امر ربنا سمعنا واطعنا غفرانك ربنا واليك المصير
ردحذفومن اوامر الله ورسوله الحجاب وهو فرض على كل مسلمة بالغة وغيره مما ناقشتيه
قد اختلف معك في الرأي، لكني قد اموت دفاعا عن حقك في ان تقوله".
ردحذفجميل جميل جميل تعبير يدل على حريه باطنه وظاهرة
ما نعنيه من اختناق لافكرنا وحرياتنا امر معهود على مر العصور ولكننى اقول البقاء للنقاء مهما كان ضعيف