أخذني حديثي مع طالباتي في مقرر الأدب والفنون، وقد ناقشنا خلاله الحضارة الهندية العظيمة وفنونها، الى مراجعة حارقة للنفس، وكم أكره (أنا) جلسات مراجعة النفس، كم أمقت الدوران في دخيلة قلبي، كم هو أحمر ودموي ونابض ومتألم وحقود وعاشق ومتهور وجبان هذا الداخل!! متناقض هو أيضا ومعقد، يصعب عليّ التعامل معه.. وعندما تجبرني الدنيا على أن أتقوقع داخله، فإنني لا أخرج منه عادة إلا مرهقة وحزينة.. وأبعد ما أكون عن الرضا، أو المصالحة مع النفس.
أتيت وفتياتي على الحديث حول مبدأ «الدارما» في الأديان الهندية القديمة، وحاولت وإياهن أن نتوصل إلى تصور واضح حول هذا المبدأ الذي يعني، بشكل عام ومبسط، الطريق الصحيح للحقيقة الوحيدة التي تمثل نواة الحياة، وهي حقيقة تختلف من إنسان لآخر، وعندما يصل الإنسان لمعرفة طريقه الحقيقي، ودوره الخاص في هذه الدنيا، يكون قد وجد الدارما الخاصة به. لم يكن من السهل استيعاب هذا المبدأ العميق الموغل المعنى في الفلسفات الهندية الأثرية القديمة، خصوصاً بمفاهيمنا الدينية الحديثة (نسبياً) ومنطقنا المغاير تماماً حول علاقة الإله بالبشر، ودور هؤلاء الأخيرين في الحياة.. إلا أن إحدى الفتيات أكدت أنها وجدت «الدارما» خاصتها، وجدت الحقيقة المطلقة، وهي تعرف تماماً دورها في الحياة، وعلى الرغم من إيماني التام بأنها لم تجد شيئا،ً وليست على يقين من شيء أبعد من وجود أنفها أعلى وجهها. إلا أن شعورا بالأسى الساحق طغى على قلبي، منذراً بواحدة من جلسات محاسبة النفس المقيتة.
ما أجمل يقين العمر الصغير، عندما كنت أعتقد أنني أعرف كل شيء، ويقيني تام ومتكامل، وأسئلتي كلها تملك أجوبة، وأجوبتي كلها تملك حججاً صلبة، عندما كانت خططي واضحة وغاياتي لا سبيل لإعاقة طريقها، عندما كنت متأكدة.. واليوم، تحديداً اليوم، تبدو لي كل الأشياء مقلوبة على رأسها بدلاً من الوقوف على أقدامها، يبدو الطريق مضبباً والغايات غريبة عني وأنا التي صنعتها، ليس لدي سوى أسئلة.. مكررة.. مملة.. سمجة، مثل الرطوبة الرابضة في يوم صيفي قائظ.. وأستغفر الله أن تحضرني أي أجوبة، تلك.. كاذبة، مخادعة، مثل حبة الأسبرين المسكنة للألم، ما إن يزول مفعولها حتى يضرب السؤال على العصب، حارقاً، لاسعاً، مكهرباً الجسد بأكمله!!
ثم ما عذاب الضمير هذا الذي لا يتركني أتنفس؟! يقال إن عذاب الضمير، هو ظاهرة أنثوية بامتياز.. فنحن خُلقنا لتعذبنا ضمائرنا التي لابد وأن تكون ذكورية التكوين.. يحرقني ضميري لأنني لم أضع صغيرتي في سريرها في تلك الليلة التي اصطادني فيها اجتماع، ويلسعني، لا سامحه الله، لأنني لم أحضر هذه الندوة التي كان يجب أن أشجع موضوعها، يؤنبني لأنني اشتريت هذا الحذاء المبالغ في قيمته، والتي يمكن أن تضع طعاماً على طاولة عائلة أخرى، أو تعلم أبناءهم، أو تطبب أجسادهم، ويعذبني كذلك اذا اشتريت ذلك الرخيص الذي آلم قدمي وبدد نقودي في صفقة خاسرة، يحرقني قلبي أن الكمبيوتر يأخذني من طبخة رائقة أقدمها لأسرتي من صنع يدي، وينقلب عليّ عقلي اذا أضعت وقتي في المطبخ متجاهلة ذلك الكتاب الذي ينتظرني بمذاقه الذي لا مثيل للذته.. إن ربطت شعري وددت إطلاقة، وإن أطلقته وددت ترويضه في عقدة.. لِمَ لم أجد «دارمتي» لحد الآن؟ وهل النظرية الهندية التي تقول إن وجودنا بحد ذاته هو عذاب يمتد بامتداد رغباتنا وشهواتنا وتطلعاتنا، هي نظرية حقيقية؟
انها مؤامرة حقيقية ضدي، أبطالها ضميري الوقح وقلبي الدموي وعقلي المتهور، الفرسان الثلاثة الذين يشرفون -بلذة- على هلاكي. وقد تحالف هؤلاء الثلاثة مع بوذا الحضارة الهندية وكونفوشيوس الحضارة الصينية، فأستمع لبوذا يقول «نحن نفكر، نحن نكون»، فيما يرفض كونفوشيوس أن يفكر في أبعد من الاصلاح الدنيوي فيقول «لم نفهم الحياة بعد، فكيف يمكننا أن نفهم الموت؟».. وبين هذا وذاك، يتلذذ عقلي بشتات الفكر الفلسفي، ويتعذب قلبي من رياضة عقلي المضنية، وضميري يشجع كليهما على الإمعان في أذيتي.. وإذا ما صحّت كلمات البوذا «نحن ما نفكر، كل ما نكونه يتأتى من أفكارنا، بأفكارنا نصنع العالم»، أجدني قد لا أصنع شيئاً لآخر يوم في حياتي، أو قد أصنع ثورة تأتي عليّ وعلى أعدائي!!
آخر شي..
يقول البوذا كذلك «إن التمسك بالغضب كالقبض على جمرة ملتهبة، بقصد رميها على إنسان آخر، لكنك أنت من يحترق».. فلمن أحرق، ولايزال، يديه بجمرات غضبه، كما أفعل، لنتفق على وضع الجمرات جانباً اليوم، ولنتسامح، قبل أن تترك جمرات الغضب كفوفنا محروقة مشوهة.
أتيت وفتياتي على الحديث حول مبدأ «الدارما» في الأديان الهندية القديمة، وحاولت وإياهن أن نتوصل إلى تصور واضح حول هذا المبدأ الذي يعني، بشكل عام ومبسط، الطريق الصحيح للحقيقة الوحيدة التي تمثل نواة الحياة، وهي حقيقة تختلف من إنسان لآخر، وعندما يصل الإنسان لمعرفة طريقه الحقيقي، ودوره الخاص في هذه الدنيا، يكون قد وجد الدارما الخاصة به. لم يكن من السهل استيعاب هذا المبدأ العميق الموغل المعنى في الفلسفات الهندية الأثرية القديمة، خصوصاً بمفاهيمنا الدينية الحديثة (نسبياً) ومنطقنا المغاير تماماً حول علاقة الإله بالبشر، ودور هؤلاء الأخيرين في الحياة.. إلا أن إحدى الفتيات أكدت أنها وجدت «الدارما» خاصتها، وجدت الحقيقة المطلقة، وهي تعرف تماماً دورها في الحياة، وعلى الرغم من إيماني التام بأنها لم تجد شيئا،ً وليست على يقين من شيء أبعد من وجود أنفها أعلى وجهها. إلا أن شعورا بالأسى الساحق طغى على قلبي، منذراً بواحدة من جلسات محاسبة النفس المقيتة.
ما أجمل يقين العمر الصغير، عندما كنت أعتقد أنني أعرف كل شيء، ويقيني تام ومتكامل، وأسئلتي كلها تملك أجوبة، وأجوبتي كلها تملك حججاً صلبة، عندما كانت خططي واضحة وغاياتي لا سبيل لإعاقة طريقها، عندما كنت متأكدة.. واليوم، تحديداً اليوم، تبدو لي كل الأشياء مقلوبة على رأسها بدلاً من الوقوف على أقدامها، يبدو الطريق مضبباً والغايات غريبة عني وأنا التي صنعتها، ليس لدي سوى أسئلة.. مكررة.. مملة.. سمجة، مثل الرطوبة الرابضة في يوم صيفي قائظ.. وأستغفر الله أن تحضرني أي أجوبة، تلك.. كاذبة، مخادعة، مثل حبة الأسبرين المسكنة للألم، ما إن يزول مفعولها حتى يضرب السؤال على العصب، حارقاً، لاسعاً، مكهرباً الجسد بأكمله!!
ثم ما عذاب الضمير هذا الذي لا يتركني أتنفس؟! يقال إن عذاب الضمير، هو ظاهرة أنثوية بامتياز.. فنحن خُلقنا لتعذبنا ضمائرنا التي لابد وأن تكون ذكورية التكوين.. يحرقني ضميري لأنني لم أضع صغيرتي في سريرها في تلك الليلة التي اصطادني فيها اجتماع، ويلسعني، لا سامحه الله، لأنني لم أحضر هذه الندوة التي كان يجب أن أشجع موضوعها، يؤنبني لأنني اشتريت هذا الحذاء المبالغ في قيمته، والتي يمكن أن تضع طعاماً على طاولة عائلة أخرى، أو تعلم أبناءهم، أو تطبب أجسادهم، ويعذبني كذلك اذا اشتريت ذلك الرخيص الذي آلم قدمي وبدد نقودي في صفقة خاسرة، يحرقني قلبي أن الكمبيوتر يأخذني من طبخة رائقة أقدمها لأسرتي من صنع يدي، وينقلب عليّ عقلي اذا أضعت وقتي في المطبخ متجاهلة ذلك الكتاب الذي ينتظرني بمذاقه الذي لا مثيل للذته.. إن ربطت شعري وددت إطلاقة، وإن أطلقته وددت ترويضه في عقدة.. لِمَ لم أجد «دارمتي» لحد الآن؟ وهل النظرية الهندية التي تقول إن وجودنا بحد ذاته هو عذاب يمتد بامتداد رغباتنا وشهواتنا وتطلعاتنا، هي نظرية حقيقية؟
انها مؤامرة حقيقية ضدي، أبطالها ضميري الوقح وقلبي الدموي وعقلي المتهور، الفرسان الثلاثة الذين يشرفون -بلذة- على هلاكي. وقد تحالف هؤلاء الثلاثة مع بوذا الحضارة الهندية وكونفوشيوس الحضارة الصينية، فأستمع لبوذا يقول «نحن نفكر، نحن نكون»، فيما يرفض كونفوشيوس أن يفكر في أبعد من الاصلاح الدنيوي فيقول «لم نفهم الحياة بعد، فكيف يمكننا أن نفهم الموت؟».. وبين هذا وذاك، يتلذذ عقلي بشتات الفكر الفلسفي، ويتعذب قلبي من رياضة عقلي المضنية، وضميري يشجع كليهما على الإمعان في أذيتي.. وإذا ما صحّت كلمات البوذا «نحن ما نفكر، كل ما نكونه يتأتى من أفكارنا، بأفكارنا نصنع العالم»، أجدني قد لا أصنع شيئاً لآخر يوم في حياتي، أو قد أصنع ثورة تأتي عليّ وعلى أعدائي!!
آخر شي..
يقول البوذا كذلك «إن التمسك بالغضب كالقبض على جمرة ملتهبة، بقصد رميها على إنسان آخر، لكنك أنت من يحترق».. فلمن أحرق، ولايزال، يديه بجمرات غضبه، كما أفعل، لنتفق على وضع الجمرات جانباً اليوم، ولنتسامح، قبل أن تترك جمرات الغضب كفوفنا محروقة مشوهة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق