الجمعة، 29 يناير 2010

خلاص.. سأحب الألماس

لدي حساسية أخلاقية تجاة ثلاثة: الألماس، والحقائب ذات العلامات التجارية الرفيعة (الماركة)، والنواب الإسلاميين، وهؤلاء هم تحديداً من يرمي للتشريع المدني من منطلق ديني. وللحساسيتين الأوليين فوائد جمة لأفراد الطبقة البرجوازية، غير أن الحساسية الثالثة تجبّ فوائد كل الحساسيات الأخرى مجتمعة، فتترك البرجوازي لا من فلوس ولا من سند. كان ذلك حالي إلى أن دخلت صديقتي الجميلة الكويتية جداً «بنت المشعان» إلى حياتي، فقلبت الموازين واستحضرت المساءلات، وهي تعارك عقليتي البرجوازية الليبرالية، بعقلية كويتية حرة بحتة، تنعكس في ضحكتها الصافية، وتذمرها «الأصيل»، وهي تتنهد من مناكفتي هاتفة: «لحوووو». لم يجذبني الألماس يوماً إلا بعدما رأيته رقيقاً منمنماً على يديها وفي أذنيها، وما صفحت عنه إلا بعد حكاويها عن معرفتها بمصدره قبل شرائه.
ففكرتي العامة عن الألماس أنه حجارة مغمسة بالدم، تمر على أجساد كثيرة قبل أن تصلنا أقراطاً وخواتم وعقوداً على الأطراف المخملية. إلا أن «بنت المشعان» نجحت في تغيير فكرتي وإجباري على مساءلة رأيي المتطرف الأحادي الزاوية حول الموضوع.
أما الحقائب، فقد اختصرت صديقتي الطريق، فلم تناكف ولم تحاور، بل أصبحت «صوغتها» من أسفارها، حقيبة رقيقة لماركة ثمينة، لا أملك ردها، ولا مقاومة جمالها، واتقان صنعها، فأتجمل بها حيناً قصيراً، إلى أن تنتقل بقدرة قادر من دولابي إلى دولاب ابنتي التي تهتف، وهي تخطف الحقيبة، بمحبتها: «لخالتي بنت المشعان» التي خلصتها من فظاظة حساسيات والدتها التي لا تتناسب و«كول» الأوقات التي نعيشها.
إلا أن أثر صديقتي يتعمق في «البند الثالث»، والذي من خلاله تظهر لي شخصية غريبة، هي التي لا تتناسب في الواقع وفظاظة وطائفية الأوقات التي نعيشها. أتذكر أوائل حواراتنا بعد انتخابات 2006 حيث كنا في بداية صداقتنا إذ سألتني «بنت المشعان» إن كنت أعرف، أو أسمع بفلان الفلاني المشارك في الانتخابات، فأخبرتها مبتسمة أن نعم أعرفه، فهو قريب لي في الواقع. أخبرتني ساعتها أنها أعطته هي وعائلتها أصواتهم. سألتها مستغربة: لم؟ أجابتني «مستنكرة» أنها تابعت نشاطاته وحضرت عددا من ندواته فأعجبها فكره، وقررت أن تعطيه صوتها، هكذا...
هذا كل ما في الأمر. بنت المشعان سنية، والمرشح ذاك شيعي، وهي أعطته صوتها، لأنها حضرت محاضراته، واقتنعت به، هكذا فقط. لم أعرف بعدها ما طغى في قلبي، محبتي لها أم ابتئاسي من استغرابي توجهاً يجب أن يكون هو الطبيعي والسائد. تتصرف هذه السيدة بطبيعية تغيظني أحياناً، فأناكفها وأناوشها لأتلقى منها ضحكة كويتية صافية، وهي تثبت شالها على كتفيها، والذي تفوح منه رائحة بخور عبقة، مسلّمة أمرها لله في صديقتها التي تبحث عن المشاكل حتى فيما يسرها.
مؤخراً اكتشفت أن صديقتي معجبة بنائب آخر يطرح نفسه كإسلامي شيعي بقوة، وإعجابها به يأتي من مواقف تراها وطنية في أدائه النيابي، وفي أحاديثه الإعلامية. عندما باحت لي برأيها في هذا النائب، ثرت عليها هاتفة «أنت طائفية»، ترقرقت ضحكتها أصفى من ليلة صيف مذكرة «يا ابتهال، أنا سنية، وهو نائب شيعي، يعني شلون طائفية؟».. «بلى»... هتفت أنا «تعانين من طائفية معكوسة، حتى مو عارفة تصيرين طائفية صح». وللمرة الأولى ارتفعت ضحكتها أكثر بقليل عن درجة هدوئها الاعتيادي، ودمعت عينيها، وهي تكرر اتهامي «طائفية معكوسة؟؟».. ومنذ ذلك الحين، نتضاحك أنا وهي حول هذا الموضوع، بينما أنا أخفي غيظي من طهارة قلبها، ونبل مشاعرها الكويتية البحتة، من مبادئها التي لا تعلنها إلا بأفعالها، لا تتشدق بها كلمات، وانما تحبرها على الورق يوم التصويت، وهي لا ترى إلا كويتيا مخلصا، وآخر غير مخلص، حيث يتكون مقياسها من هاتين القيمتين فقط لا غير. أخبرها أنني لا أؤمِن للنائب ذي الطرح الديني، فما أن يتداخل التشريع بالسياسة حتى تدب الفرقة وتختلط الأمور، وتُعزل الأقليات وينشط القمع، فيهتز المجتمع عندها بالثورات والقلاقل تحديداً، بسبب سيادة معتقد على آخر. توافق «بنت المشعان» على رأيي، ولكن، من وجهة نظرها، «كويتية» النائب تصفح له وتوعز لحسن النية تجاه أدائه التشريعي. إذا كان يحب الكويت، لن يقدم على مصلحتها شيئا. هكذا، بكل بساطة وسلاسة و...حب. لم لا أستطيع أن أكون مثلها، أطيب نفساً، وأصفى نية، بأخلاقيات غريزية نقية تفترض الخير في الجميع؟
قد أحاول في هذي السنة الجديدة، وكل عام والجميع بخير.

هناك تعليق واحد: