الجمعة، 29 يناير 2010

انكسر العكّاز والهمّ ذوَّبني

تحضرني مقولة جبران خليل جبران إن «من الحكمة ألا يكسر الكسيح عكازاته على رأس عدوه»، وأنا أطالع المشهد السياسي المحلي العاصف الذي يكاد يطيرنا جميعاً في هواء زوابعه العنيفة. وعلى الرغم من أن إحدى أكبر الزوابع قد هدأت ووضعت «أوزارها»، غير أننا لانزال نترقب بخوف أخرى جديدة تتكون هناك في أعالي البحار، حيث لا تصل أبصارنا، فلا نكاد نراها إلا عندما تقترب أكثر مما يجب، وترتفع أكثر مما يستحب، وتصبح خارج نطاق السيطرة، عندها، نجد أنفسنا، بلا حول ولا قوة، نطير مع عواصفها، وندور في مركزها، تتقاذفنا مراوحها الهوائية العظيمة المرعبة ونحن نتبعثر أشلاء ونصرخ صراخاً لا يجد ما يرد صداه.
ولا أدري تحديداً مَن مشكلته أكبر، نحن الذين نجلس جاحظين تجاه أعالي البحار نصلي أن يقينا الرب شر الزوابع ويبعدها عنا، أم هم سكان أعالي البحار، وهم ينفخون في العاصفة ويلوحون بالعكاكيز نازلين بها على رؤوس بعضهم بعضا غير مدركين أنهم إنما يستغرقون في تكسيح أنفسهم وهم يتناطحون بعكاكيزهم كاسرين خشبها على الرؤوس والأكتاف؟
يبدو مبدأ «عليّ وعلى أعدائي» الذي يهيمن على المشهد السياسي الحالي أبعد ما يكون عن الممارسة السياسية الحقة، فالسياسة، من مسماها، تتحقق في أن تسايس غيرك، لا أن تتناطح معه، أن تتفاوض وتختار معاركك، أن تناور وتحاور وتداور. ليس هناك فضيلة تامة في السياسة، لا وجود للخير والشر المطلقين في رحابها المعتمة، لا تتوافر اختيارات أخلاقية شفافة في فهرسها، ولكن هناك اختيارات أنظف من غيرها، لا ينتظم العدل في أروقتها ولكن هناك أوضاعا تقلل الظلم أو تعممه فيصبح عدلاً. تلك هي السياسة: فن المداهنة، معادلة حسابية مخادعة، مثلث مجموع زواياه لا يساوي 180 درجة، أعقد أيديولوجية إنسانية وأكثرها بدائية في التاريخ الإنساني.
لذا، ندعو نوابنا الأفاضل، بعد ماراثون الاستجوابات الأربعة، للتخلي عن أسلوب التناطح، ولاختيار صراعاتهم، وترك المهم من أجل الأهم، ويبدو لي حالياً أن الأهم هي أمور الصحة والتعليم والبدون وذوي الاحتياجات الخاصة وحقوق المرأة الكويتية التي من شأنها جميعاً أن تكفل درجة من الاستقرار الاجتماعي والسياسي جفت جلودنا تعطشاً إليه.
كما وندعو حكومتنا لبذل مجهود أقل في استرضاء النواب، ومجهود أكبر في استرضاء الشعب، فما إن نشعر نحن أن حكومتنا تعمل من أجلنا، وتعاملنا كمواطنين لا كرعية، وتقف صامدة شاهقة في وجه تهديدات المتسلقين والمجعجعين، فلا تشتري رضا، ولا تبيع خدمة، حتى نصفّ معها جميعاً لنواجه حتى اختياراتنا التي قد لا نكون أحسنّا نظمها.
نحن هنا أيها السيدات والسادة، على الأرض الصلبة، قد لا تروننا من مكانكم خلف أعالي البحار، أو قد نبدو كالنمل الصغير المتجمع بلا هدف، منقطاً على الأرض من شباك طائرتكم المحلقة بارتفاعها، لكن، لا تستهينوا بما لا يمكنكم رؤيته، ولا تستخفوا بالنمل عندما يتجمع ويتكوم سواده غاضباًَ بإصرار، ففي النهاية... الموضوع هو نحن، مصالحنا وحقوقنا وحيواتنا الغالية هي أساس عملكم وغاية وجودكم في مقاعدكم الحكومية والنيابية، فليكن نصب أعينكم.. نحن، فقد مللنا الزوابع التي تأتينا من حيث لا نعلم، قلب معدتنا الدوران في عواصفها، وأغثانا التأرجح في هوائها الشقي الساخن.
نحِنّ اليوم لأرض صلبة، حيث نستطيع أن نبني ونعمر ونزرع، وحيث تكون لدينا الفرصة لمراقبة بذورنا الصغيرة، التي نُرقدها في أرضنا الدافئة بمحبة، تشق طريقها للأعلى، يخضرّ عودها، وتشد أوراقها لضوء الشمس دونما خوف من زوابع أو أعاصير.
اكتفينا والله من دفاعكم النيابي المستميت عن حقوقنا المالية، خنقتمونا واعتصرتم أضلعنا من شدة الحب حفظكم الله، كما واكتفينا من مناوراتكم الحكومية ومهادناتكم واسترضاءاتكم «الزبداوية»، فلا نكاد نقف حتى نتزحلق على أرضيتكم الرطبة بزبدتها، كسرتم ظهورنا بسلاستكم وطراوتكم. لا تحبونا كثيراً عافاكم الله، فقط أدوا واجباتكم و«اشتغلوا» سياسة: اختاروا المهم وقدموا الأهم، وتذكرو أن مصلحتنا تتقدم على الحق أحياناً، فأنتم صنعتكم السياسة. وكفوا أيها السادة عن تكسير عكاكيزكم على رؤوس بعضكم البعض. فبخلاف أنكم أصبحتم غير قادرين على فرد ظهوركم وقوفاً، أصبح منظركم مضحكاً وأنت «تتقلقلون» بين وقوف وقعود. يحتاج بعضكم إلى بعض يا سادة، تأبطوا عكاكيزكم، فمكانها تحت الإبط وليس فوق الرؤوس... وفقنا الله واياكم لشيء من الهدوء والسكينة وحسن «السير» والسلوك.

هناك تعليق واحد:

  1. سيدتي الكريمة ،
    أنا لست عالما أو فيلسوفا أو كاتبا ، ولكن كناباتك تجعلني متشوقا إلى إبداء الرأي ، وليكن هذا فضل لكي علي وعلى أمثالي حثّنا على التحرك والتعبير.
    إن الذين يخافون على مكتسباتهم في السيطرة على عقول الناس، ينسبون أفكارهم وتصرفاتهم إلى هداية أو تعاليم إلهية ، وأنا أقول لهم أن لا عقولهم ولا فكرهم ولا حتى عقل أو فكر أي إنسان بلغ حتى الآن بضعة آلاف من السنين في تطوره ، يمكن أن يستوعب أو يفهم أو يفسّر الآن أو حتى بعد ملايين السنين ، ما يريده خالق هذا الكون، وربما أكوان أخرى ، من مخلوقاته.
    فلندع هذه الحجة المستهلكة في حصول هؤلاء على وكالة شرعية من الخالق، وليناقشوا الأمور الحياتية و الخلافية بين الناس بمنطق العقل والحوار وقبول الرأي المخالف بعيدا عن العنف والإرهاب الفكري، إن أرادوا لهذه البشرية أن تتطور.
    إن ركب العالم يسبقنا ونحن في خلاف على جنس الملائكة...

    ردحذف